مقالات

أحببتكَ أكثر مما ينبغي؛ فلتغفري ثنائية الرجل والمرأة عند أثير عبد الله النشمي

كتب علي فتح الله – أحببتكَ أكثر مما ينبغي؛ فلتغفري، ثنائية الرجل والمرأة عند أثير عبد الله النشمي.

تمثل العلاقة الجدلية بين المرأة والرجل أحد أهم مكونات السرد في الخليج العربي، خاصة في مرحلة النمو المتصاعد في المجتمع الخليجي وما صاحبه من تنامي لدور المرأة ومكانتها في المجتمع من ناحية، وتطلعات المرأة الخليجية في ظل الانفتاح بكل أشكاله الذي يسود المجتمع من ناحية ثانية.

وتمثل الروائية السعودية أثير عبد الله النشمي إحدى أبرز الروائيات التى تناولت هذه العلاقة الجدلية، خاصة في روايتيها “أحببتك أكثر مما ينبغي”، و “فلتغفري”، فكلاهما رواية لقصة واحدة من منظور مختلف، الأولى من منظور البطلة، والثانية من منظور البطل، كلا العملين يقدمان رؤية مزدوجة لشيء واح؛ فهل هذا هو ما حدث حقا في الرواية؟ أم أن الكاتبة برغم من أنها حاولت ذلك قدمت لنا رؤية أحادية، لكن على لسانين مختلفين، هل اختلاف الراوي يعني بالضرورة أختلاف الرؤية؟ هذه الأسئلة هي ما يطرحها هذا البحث في محاولة للاجابة عنها، أو على الأقل تملس خيوط السرد الروائي التى يمكن أن تؤدي للاجابة عنها.

في رواية فلتغفري تتضح المباشرة من الصفحة الأولى بل إن مجمل القضايا تتكشف في إيقاع سريع لنجد ملخص رؤية الروائية للرجل فتصفه بالحقارة والخذلان وعلى لسانه أيضا ليمثل الأعتراف سيدا للأدلة “أعرف بماذا تفكرين، تفكرين بي! تفكرين في مدى حقارتي، وتبحثين عن أسباب خذلاني إياك… غارقة أنت في خيبتك وغارق أنا في معصيتي، لكنني أحبك يا جمانة، فاغفري!”(9ص)

هذه الوضاعة والخذلان لا تقف عند حد خذلانه للمرأة بل تزيد الكاتبة من الخذلان خذلانا فتجعله كارها لوطنه السعودية فيقول: “لا أعرف كيف أكتب عن وطن لا أحبه وتاريخ لايغريني، لكم عكرت مزاجي المحاولة!”(10).

وبالرغم من الصورة السلبية لهذا الرجل نجد تمجيدا للمرأة، وبرغم كرهه للوطن إلا أنه عندما احتاج إلى أن يصور انطلاق وحرية محبوبته شبهها بوطن حر “دخلت كفرس جامحة، بخطوات واثقة، بعنق ماجد، بجبين شامخ، وشعر ثائر.

دلفت يوم ذاك كوطن حر لطالما حلمت به، وطن لطالما أغراني بثورته وجموحه وجنونه”(ص10)، بل يقر البطل بتفوق الأنثى عليه كرجل فيقول: “واضحة أنت إلى أبعد حد، موجودة أنت في كل الأوقات، تشعرينني دوما بأنك حولي ومعي، لم أشعر منذ عرفتك بأني سيد قراري، تجبرينني على أن أناقش خياراتي معك لنقرر معا كل ما يخص حياتي وكأنها ملكك!”(12)، وبالرغم من أنها مسيطرة، فهي ليست مسترجلة -وقد نفت في الصفحة الأولى من الرواية ذلك-، بل إنها على حد وصف البطل وهو يناجيها ملكة متوجة: ” يا جمان كم من الصعب مجاراة امرأة فاحشة الأنوثة مثلك، امرأة متطرفة الأنوثة مثلك ترهق رجولتي، تنهكها، تشعرني بالعجز”(13)، ويصل افتتانه بها إلى درجة التقديس فيجعل منها أحدى ألهات الجمال ـ “امرأة  تضاهي إيزيس وأفروديت وفينوس وعشتار في كل ما كنَّ يعبدن لأجله”(14).

ويتماهى البطل في أنثاه حتى عندما يتم تشبيهه يشبه بأنثى هي أم البطلة؛ فهو يذكرها أحيانا بها، وعندما يتحول الوصف من الأم إلى الأب نجد الصيغة اللغوية يتم تحريفها لتصبح على وزن الأمومة “ضحكت وأنت تجوبين بعينيك في الأرجاء- ذكرتني بأمي!

  • …………………………….
  • دافع أمي الأمومة، فماذا عن دافعك أنت؟!
  • قلت لك بسخرية: الأبوبة!
  • الأبوة يا شاعر.
  • بل الأبوبة!

ولذلك تصبح الأنوثة الطاغية لجمان عبئا على البطل يستدعي الثورة عليه فيفشل البطل وتتناثر ثورته، لكن هذا لايمنع أن يعلو صوت البطل في بعض الأحيان ليلقي اللوم على المرأة (جمان) قائلا: “لا أفهم كيف أن النساء يفعلن هذا! ولماذا يبعدننا عن الحقيقة ويلومننا بعد ذلك على شكنا فيها! لم يكن من الموفروض أن تفعلي هذا، أنت بالذات لا يليق بك أن تفعلي بي هذا، أنت الاستثنائية، المختلفة، النادرة والفريدة؛ فلم تشككين في روعتك وتأثيرك عليَّ قبل أن تشككي بي؟”(17- 18)، لكنه سرعان ما يعود مرة أخرى ليلقي اللوم عليه وينزه محبوبته عن كل عيب واصفا إياها بالنقاء والطهر وواصفا نفسه بالقتامة والسواد فيعلن “اليوم أعترف بأن بياضك حاد، وبأن نقائك خام، وبأنني حالك جدا، بأن أعماقي مظلمة، وأن قلبي أدهم”(25)، ولذلك يشعر في قرارة نفسه بأنه لا يستحق جمان، فقدر رزقه الله “فتاة تعذبني طيبتها، فتاة مفرطة الرقة لدرجة تصهر المشاعر وتخنقها، فتاة أدرك تماما أنها تحبني لدرجة لا أستحقها”(29)،   هذه المشاعر لا تتوقف عند نموذج اللأنثى الحبيبة بل أيضا تجاه الأنثى الأم، التى تمثل الوطن وهنا نستدعي وصف الحبيبة في بداية الرواية وتشبيهها بالوطن الذي يرمز إلى الملجأ والملاذ بالنسبة للبطل “لطالما آمنت أن الأمهات أوطان صغيرة؛ ففي كل أم وطن نسكنه، نحبه، نفخر به، امرأة وطن ولاؤنا لها وانتماؤنا إليها”(45.

والنمط التقليدي يتضح لدينا في صورة الأب أيضا الذي يأتي ذكره في بداية الرواية متحملا نفقات دراسة عزيز بطل الرواية في الخارج، ثم يأتي مرة أخرى متصفا بالموضوعية والعقلانية عندما يتحدث عزيز معه في امر زواجه من جمان، ومرة ثالثة ليرسم صورة الأب التقليدي المحافظ عندما يسترجع عزيز علاقته بريما، وأنها كانت سببا في نفي والده له خارج البلاد من خلال عقد صامت بينهما بالموافقة على دراسة عزيز في كندا، ريما الفتاة السعودية المتحررة لأقصى حد بالرغم من نجديتها التى تبرز مع بداية الثالث الثاني من الرواية شخصية نسائية مؤثرة في بنية الرواية، فـ “لم تكن ريما تغطي وجهها، كانت تدخن، تتنقل بين الدول وحيدة، والأغرب من كل هذا أنها لم تكن عذراء! ….. معها تذوقت الجنس لأول مرة، ومارست الجنس أكثر من مرة” (50)، وهنا نجد أنفسنا أمام نموذج مقابل لشخصية جمان تماما، فجمان بالرغم من تفتحها إلا أنها تمثل المرأة الشرقية المحافظة، لكن ريما تمثل الاستهتار بكل ما تعنيه الكلمة فقد تركت عزيز في النهاية ليدرك على حد قوله : “أن ريما تركتني من أجل غيري، وأنني لم أكن إلا رجلا من رجالها الكثر؛ فمثلما لم أكن الرجل الأول لم أكن الرجل الأخير أيضا”(56)،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى