مقالات

هل يُحْتَفَل بمولد دوستويفسكي في التاريخ الخطأ؟

الأدب الروسي

كتب الدكتور محمد عبد الرحيم الخطيب

ليس سرًا حين أبوح للقارئ بأنني من محبي الأدب الروسي، ولا سيما الأديب الكبير فيودور ميخائيلوفيتش دوستويفسكي. ولأنني -كذلك- من أولئك الذين يحاولون القُربَ أكثر من كُتّابهم المفضلين، للتعرف على سِيَرهم، وعلى الأسباب التي دفعتهم إلى اقتحام عالم الكتابة والتميز فيه، ومسيرتهم التي قطعوها في هذا العالَم؛ فقد لاحظت مع اطّلاعي على عددٍ من المراجع التي تناولت حياة دوستويفسكي وترجمت له وجودَ اختلاف في تحديد تاريخ مولده بين هذه المراجع.

التاريخ الأول لمولده هو [11/11/1821]، وهو الشائع، ولذا في الحادي عشر من نوفمبر من كل عام يتجدد الاحتفال بذكرى ميلاد الكاتب الكبير.

أما التاريخ الآخر فهو [30/10/1821]، وقد وجدته في أغلب المراجع العربية التي تعرضت لحياة دوستويفسكي، ومنها:

1- مقدمة الدكتور سامي الدروبي في ترجمته للأعمال الأدبية الكاملة لدوستويفسكي، ط 2، بيروت، دار ابن رشد، 1/13. وهي الترجمة الأشهر عربيًا لأعمال دوستويفسكي.

2- مذكرات زوجة دوستويفسكي، آنا جريجوريفنا، ترجمة: أنور محمد إبراهيم، ط 1، القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2015م، 91. وقد أشار الدكتور سامي الدروبي في مقدمة ترجمته لأعمال دوستويفسكي إلى أن زوجة الكاتب الكبير أدق فيما تحكيه عن زوجها من ابنته “لوبوف” التي كتبت هي أيضًا كتابًا عن حياة أبيها بعنوان “أبي فيودور دوستويفسكي”.

3- كتاب: دوستويفسكي حياته وأعماله، لهنري ترويا، ترجمة: علي باشا، ط 2، دمشق، منشورات دار علاء الدين، 2010م، 16.

4- مقدمة المترجم لكتاب: دوستويفسكي.. يوميات كاتب، جمع: بوريس تاراسوف، وترجمة: عدنان جاموس، ط 1، أطلس، 19.

سبب الاختلاف بين التاريخين

الحقيقةُ التي لعلّ الكثيرين يستغربونها هي أنه لا تعارَض بين التاريخين المذكورين، ولكن كيف يُمكن ذلك؟.

الإجابة هي أن التاريخين واحد، ولكنْ وفقًا لتقويمين مختلفين، هما التقويم القديم والتقويم الجديد. إذ يَعرف الباحثون في تاريخ روسيا أنها ظلت تعمل بالتقويم القديم إلى أن جاءت الثورة البلشفية فقرر قادتها الانتقال إلى العمل بالتقويم الجديد.

والتقويم القديم هو التقويم اليولياني الذي أرساه يوليوس قيصر في حدود عام (45) قبل الميلاد. أما التقويم الجديد الذي انتقلت روسيا للعمل به بعد الثورة البلشفية فهو التقويم الجريجوري الذي كانت أغلب دول أوروبا تعمل به قبل روسيا بزمن طويل.

فما هي قصة التقويمين: اليولياني والجريجوري؟

كان العالم المسيحي قديمًا يسير وفقًا للتقويم اليولياني فترةً تصل إلى ألف وخمسائة عام. ولكن مع تقدم السنوات حدث اختلال بين حساب السنة المدارية وحساب السنة اليوليانية، وواجه العالم المسيحي -وقتها- مشكلة عويصة في حساب موعد عيد الفصح، ولم يعد يستطيع التوفيق بين التقويم اليولياني وقرار مجمع نيقية عام ثلاثمائة وخمسة وعشرين 325 الذي حدد عيد الفصح وفقًا لحساب السنة المدارية.

وقد بقي الأمر إلى حدود أواخر القرن السادسَ عشر حين أصدر البابا جريجوريوس الثالث عشر مرسومًا باعتماد التقويم الجديد الذي عُرف بـ(التقويم الجريجوري). وتزامنًا مع الانتقال من التقويم اليولياني إلى التقويم الجريجوري، شهد العالم -وقتئذ- حدثًا فريدًا من نوعه، حيث حُذفت عشرة أيام من التقويم، فمع اكتمال يوم الرابع من أكتوبر لسنة 1582 تم الانتقال مباشرة إلى يوم الخامس عشر من أكتوبر لسنة 1582، وقد جاء ذلك لتدارك التأخر في عدد الأيام الذي أحدثه التقويمُ اليولياني مقارنةً بالسنة المدارية.

وعلى الرغم من هذا التغيير الذي أحدثه البابا جريجوريوس أواخر القرن السادس عشر باستبدال التقويم المعمول به؛ إلا أن روسيا ظلت تعمل بالتقويم اليولياني بناء على موقف خاص بالكنيسة الروسية، إلى أن تم الانتقال -كما ذكرنا- إلى التقويم الجريجوري بعد الثورة البلشفية.

وبناء على هذا التفصيل، فلا فرق بين التاريخين المذكورين ليوم مولد دوستويفسكي، فالأول وهو الثلاثون من أكتوبر لعام 1821 في التقويم اليولياني القديم هو الموافق ليوم الحادي عشر من نوفمبر لعام 1821 في التقويم الجريجوري الجديد.

ويكون الاحتفاءُ -إذن- بذكرى مولد هذا الكاتب الكبير يوم الحادي عشر من شهر نوفمبر وفقًا للتقويم الجريجوري المعمول به الآن في روسيا وفي معظم دول العالم.

يمكنكم مشاهدة الفيديو على قناة المؤلف على اليوتيوب

Al-Naqd. النقد

موقع النقد موقع ثقافي يختص باللغة والأدب والثقافة ويمكنكم التواصل معنا للاستفسار على البريد الإلكتروني arabicnaqd@gmail.com في انتظار مشاركاتكم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى